إن من حكمة الله تعالى أن جعل الاختلاف والتمايز بين البشر فقال: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾[الروم: 22].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود».
ولذا كان الاختلاف بين بني البشر سنة من سنن الله تعالى التي ارتضاها لهم، فلقد أثبتت الخبرة البشرية أن الاختلاف أمر محمود، بل مطلوب، لكونه مصدر إثراء وإغناء، ولولا هذا الاختلاف؛ لأصبح الناس نسخًا مكررة لا طعم لها ولا رائحة، وهذا يقتضي أن يكون الاختلاف اختلاف تنوع لا تضاد، اختلاف إثراء لا إقصاء.
ومن هذا المنطلق تمثل الفروق الفردية، والتمايز في المواهب والسمات ، والخصائص بين الطلاب أكبر تحدي للمعلم أثناء تأديته لدوره في العملية التعليمية، لأننا بحاجة إلى معلم مطلع على أهمية الفروق الفردية، ومتحسس بالحاجات المختلفة لطلابه قادر على التكيف مع المنهج الدراسي، ومتقبل للفروق الفردية ويعتبر وجودها أمر طبيعيًا (سالم،2012).
فإذا راعى الله سبحانه وتعالى تنوع الخطاب القرآني ليلائم الناس على حسب مستوياتهم ، فإن بالأحرى على المعلم تمثل ذلك في تقديمه المنهج الدراسي لطلابه، ومن صور هذا التنوع في القرآن:
- خطاب موجه للقلب، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
- خطاب موجه للعقل ،قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17-18-9-20].
- خطاب للبصيرة النيرة، قال تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].
وفي التربية الحديثة نجد الدعوة والمناداة إلى مراعاة خصاص الطلاب ومعارفهم السابقة، وبيئاتهم، وميولهم، والأساليب والطرق التي يتعلمون بها، ولهذا يتناول هذا الفصل استراتيجية تتعلق وتعتني بهذا الجانب، وإعطاء كل طالب حقه وكفايته بما يوافق ما لديه من استعداد، وهذا النوع من التعليم أو التدريس يستخدم استراتيجيات معينة لتحقيق أهداف محددة يسعى إليها، ومن هذه الاستراتيجيات استراتيجية التدريس المتمايز أو ما يطلق عليها (المنوع - المتباين - الفارق).
أولاً : مفهوم استراتيجية التدريس المتمايز:
بما أن التدريس المتمايز ظهر نتيجة مبدأ الاختلاف والتباين بين الطلاب في الفصل الدراسي، فإنه يهدف إلى رفع مستوى جميع الطلاب بناءً على الخصائص الفردية ، والخبرات السابقة، وإلى البعد عن الطريقة الواحدة في التدريس والتي تستند على المثل، أي بمعنى ( مقاس واحد للجميع ).
عرفته توملينسون (في الطويرقي ، 2013، 33) "أنه مدخل شامل للتدريس يستطيع أن يرشد المعلمين والمعلمات في جوانب عملهم".
وعرفته كوجك وآخرون (في الحليسي ، 2012، 47)" احتياجات المتعلمين المختلفة، ومعلوماتهم السابقة واستعداداتهم للتعلم، ومستواهم اللغوي، وميولهم، وأنماط تعلمهم المفضلة، ثم الاستجابة لذلك في عملية التدريس، إذن تنويع التدريس هو عملية تعليم وتعلم طلاب بينهم اختلافات كثيرة في فصل دراسي واحد".
ثانيًا:الأساس النظري للتدريس المتمايز:
تمثل النظرية البنائية الأساس النظري لمعظم الاستراتيجيات الحديثة ،ومنها استراتيجية التدريس المتمايز،فهو يعتمد بشكل كبير على الأبحات التي أجريت على الدماغ،فذكر كويزي (في الحليسي،2012،،52)أن الصف المتمايز يقوم المعلمون فيه بتدريج الدروس حيث تقابل مستويات الاستعداد لدى الطلاب ،فهم بذلك يزيلون الملل ولإحباط الذي قد يصاحب عمليات التعلم ،فقد أثبتت أبحاث الدماغ البشري بأن الدماغ يعمل من خلال الانتباه للمعلومات ذات المعنى.
كذلك يستند على النظرية البنائية الاجتماعية للتعلم ،وتعتمد هذه النظرية على مايسمى بمنطقة النمو الوشيك ،والتي ذكرت درابيو (في الحليسي،2012،،53) بأنها الاختلاف بين مايمكن أن يقوم به الطلاب بمفردهم ومايمكن أن يقموا به بمساعدة من هم أكبر منهم سنًا،وهي المنطقة التي تحصل فيها عملية التعلم ،والتي يحتاج فيها المعلم أن يجد الطلاب لكي يزيد من قدرتهم على التعلم.
ويستند أيضًا على دراسات الذكاءات التي خلصت إلى مجموعة من النتائج المهمة ،منها أن الذكاء متعدد الأوجه وليس شيئا واحدًا،وأننا نتعلم ،ونفكر ونبدع، بطرق مختلفة،ويمكن القول أن التدريس المتمايز ينبع من عمل جون ديوي الذي دافع عن الفكرة القائلة أن الطريقة التي يتبعها المعلم في التدريس يجب أن تكون منحازة لحاجات الطلاب
ثالثًا : تاريخ التدريس المتمايز:
على الرغم من حداثة تبني المفهوم الاصطلاحي للتدريس المتمايز في حقل التدريس، إلا أن التدريس المتمايز لا يعتبر ظاهرة جديدة في مجال التربية والتعليم، فلقد عثر على بعض الكتابات المتعلقة بالتعليم لدى المصريين واليونانيين القدماء، والتي تعود إلى الاهتمام بالتعليم الذي يلبي الاحتياجات المختلفة للطلاب (الحليسي، 2012).
وذكر بلازر (في الحليسي، 2012) أن التمايز كان موجودًا منذ عقدين من الزمن ولكنه كان مخصصًا للطلاب الموهوبون، ومنذ 8 أو 10 سنوات ماضية بدأ المعلمون في استخدامه في التربية الخاصة، ثم يعد ذلك تم استخدامه لجميع الطلاب في المدارس.
كما أضاف كامل (في الحليسي، 2012) أن اللفظ جديد ولكن المفهوم ليس كذلك فمنذ المدرسة ذات الفصل الواحد عمل المعلمون على استيعاب مجموعة واسعة من القدرات والاحتياجات المختلفة للطلاب في نفس الوقت.
وعلى ذلك نرى أن التدريس المتمايز أو المتنوع أو الفارق كما يسميه بعض التربويين قد كان موجودًا منذ القدم، ولكن لم يمارس من قبل المعلمين بالشكل المطلوب، جهلاً منهم بهذا النوع من التعليم، أو عدم قدرتهم على تطبيقه في فصولهم الدراسية لأسباب مختلفة، إلا أن المطالبة بزيادة جودة التعليم، وتطور الأبحاث في مجال الذكاء وأبحاث الدماغ أدى إلى زيادة الاهتمام والمناداة بتطبيق التدريس المتمايز في الفصول الدراسية لمختلف مراحل التعليم.
رابعًا : فلسفة التدريس المتمايز:
إن الفلسفة التي يقوم عليها التدريس المتمايز هي وجوب النظر إلى الطلاب على أنهم أفراد يختلفون فيما بينهم، وأن هذه الاختلافات لها من الأهمية ما يستدعي الاستجابة لها ليس عند ظهورها في الحصة ، وإنما تكون أساسا عند التخطيط للدروس.
أن المؤيدين للتدريس المتمايز يؤمنون بـ (الطويرقي، 2013، 48):
1- لكل طالب دماغ فريد كبصمة الإصبع، وأن الطلاب من ذوي العمر نفسه يختلفون من حيث استعدادهم للتعلم وخبراتهم السابقة ومستوى تحصيلهم . . . إلخ، فهم يتعلمون بطرق مختلفة وفي أوقات مختلفة.
2- لجميع الطلاب مواطن قوة، ولجميعهم مواطن تحتاج إلى تقوية، والفروق بينهم تؤثر على ما يحتاجون تعلمه، والسرعة التي يتطلبها تعلمهم، ومقدار الدعم الذي يحتاجونه لهذا التعلم.
3- الطلاب يتعلمون بطريقة أفضل حين يتمكنون من ربط المنهج باهتماماتهم وخبراتهم الحياتية.
4- جميع الطلاب يمكنهم التعلم، فوقت التعلم لا يفوت أبدًا ، وأن الوظيفة الأساسية للمدرسة هي العمل على زيادة قدرة كل طالب لأقصى حدودها.
5- المشاعر والأحاسيس والاتجاهات تؤثر في التعلم.
خامسًا : أهداف التدريس المتمايز:
من أهداف التدريس المتمايز كما ورد في (الحليسي، 2012؛ الطويرقي ، 2013) متمثلة في الآتي:
1- تطوير مهمات تتسم بالتحدي والاحتواء لكل طالب.
2- توفير مداخل تتسم بالمرونة لكل من المحتوى والتدريس والمخرجات.
3- الاستجابة لمستويات الاستعداد لدى الطلاب.
4- توفير الفرص للطلاب للعمل وفق طرف تدريسية مختلفة.
5- إعداد الطالب الذي يستطيع القيام بمهمات حياتية وواقعية متنوعة وغير متوقعة.
6- يعمل على تحقيق الدرجة القصوى من التعلم لجميع الطلاب مراعيًا مختلف أنماط التعلم والميول والقدرات والاتجاهات.
7- يضيف استراتيجيات تعليمية جديدة للمعلمين.
8- يلبي متطلبات المنهج الدراسي بطريقة ذات معنى لتحقيق نجاح الطلاب.
سادسًا : الافتراضات التي يقوم عليها التدريس المتمايز:
ذكر عطية (في الحليسي، 2012، 57) مجموعة من الافتراضات التي يقوم عليها التدريس المتمايز منها:
1- عدم قدرة المعلمين على تحقيق المستوى المطلوب من التعلم لجميع الطلاب باستخدام طريقة واحدة في التدريس.
2- عدم وجود طريقة تدريس واحدة مناسبة لجميع الطلاب.
3- أن التدريس المتمايز يوفر بيئة تعليمية مناسبة لجميع الطلاب لأنه يقوم على أساس تنويع الطرق والإجراءات والأنشطة الأمر الذي يمكن كل طالب من بلوغ الأهداف المطلوبة بالطريقة والأدوات والنشاط الذي يلائمه.
سابعًا : مبررات التدريس المتمايز:
ذكر الحليسي مبررات التدريس المتمايز والتي تتمثل في الآتي (2012، 60): طبيعة الطلاب - حقوق الإنسان - نظريات المنح البشري وأنماط التعلم - أهداف العملية التعليمية - الدافعية لدى المتعلم - مشكلات التعليم - وجود منهج واحد أدى إلى ضرورة تقديمه ليناسب الاحتياجات المختلفة للطلاب - تكافؤ الفرص التعليمية لجميع الطلاب.
ثامنًا: الفرق بين مفهوم التدريس المتمايز ومفهوم تفريد التعليم ومبدأ مراعاة الفروق الفردية والتدريس التقليدي (الحليسي، 2012):
1- التدريس المتمايز وتفريد التعليم:
إن التنويع في التدريس لا يركز على كل طالب منفردًا ، ويضع له برنامجًا خاصًا ، ولكن يتم تعرف قدرات وميول وخلفيات الطلاب ، مثلاً باستخدام المجموعات المرنة.
2- التدريس المتمايز ومبدأ مراعاة الفروق الفردية:
على رغم ما يبدو بينهما من تقارب إلا أن الفرق يكمن في أن المعلم عندما يقصد مراعاة الفروق الفردية فإنه يقدم المادة نفسها بالطريقة نفسها، لكنه لا يستطيع تمكين جميع الطلاب من الوصول إلى النتائج نفسها، لأنه يراعي الفروق الفردية، وقدرات وإمكانات الطلاب فهم لا يستطيعون جميعًا الوصول إلى النتائج نفسها، في حين يسعى التدريس المتمايز إلى تحقيق الوصول إلى النتائج نفسها، ولكن بأساليب وعمليات مختلفة، ومعنى ذلك أن التدريس المتمايز لا يغير مناهج التعليم، وإنما التنويع في أساليب وتنفيذ المناهج المتمثلة في عمليات التدريس المتمايز.
3- التدريس المتمايز والتدريس التقليدي:
من الفروق بين التدريس المتمايز والتدريس التقليدي ، أن التدريس التقليدي لا يعالج الفروق الفردية إلا إذا أصبحت مشكلة ، في حين يجعلها التدريس المتمايز أساسا للتخطيط، كما أن التدريس التقليدي يهدف إلى الحصول على مخرجات تعليمية واحدة من خلال مجموعة من الأنشطة والإجراءات الموحدة لجميع الطلاب.
ملاحظة: (عبيدات وأبوالسميد، 2009):
· التدريس المتمايز لا يعني تبسيط المعلومة، وإنما هو عملية تدريج وتنويع في المهام بما يناسب مع طبيعة كل طالب.
· التدريس المتمايز لا يتم بتكيف المنهج، بل باتخاذ الطرق الملائمة لتنظيم تقديمه بأساليب مختلفة تلائم جميع الطلاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق